من منا لا يحب أن يعيش حياة طيبة ، حياة ملؤها الود والوئام والسعادة ؟ فكيف تكون هذه الحياة ، وما السبيل إلى تحقيقها؟ يقول سيد قطب : العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض ، لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال ، فقد تكون به ، وقد لا يكون معها ، وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية : فيها الاتصال بالله ، والثقة به ، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه ، وفيها الصحة والهدوء ، والرضا والبركة ، وسكن البيوت ، ومودات القلوب ، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة .. وليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل ، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله .
فللحياة الطيبة إذن عناصر ومفردات ، منها أن تشعر بالسعادة والفخر بأنك مسلم ...
إن السعادة أن تعيش = لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل = قضية الكون العتيد
هذي العقيدة للسعيد = هي الأساس هي العمود
من عاش يحملها ويهتف = باسمها فهو السعيد
وأن تموت في سبيل الله ..
لا تقولوا لقد فقنا الشهيدا = مذ طواه الثرى وحيدا فريدا
أنا ما مت فالملائك حولي = عند ربي بعثت خلقا جديدا
ومنها حب الله ، والاتصال به ، والتذلل إليه ...
هجرت الخلق طرا في هواكا = وأيتمت العيال لكي أراكا
ولو قطعتني في الحب إربا = لما حن الفؤاد إلى سواكا
تجاوز عن ضعيف قد أتاكا = وجاء راجيا يرجو نداكا
وإن يكن يا مهيمن قد عصاكا = فلم يسجد لمعبود سواكا
إلهي عبدك العاصي أتاكا = مقرا بالذنوب وقد دعاكا
فإن تغفر فأنت لذاك أهل = وإن تطرد فمن يرحم سواكا
والاعتصام به ...
ومن يعتصم بالله يسلم من الورى = ومن يرجوه هيهات أن يتندما
ومنها الثقة بالله بأنه هو الرزاق ...
لا تخضع لمخلوق على طمع = فإن ذاك وهن منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه = فإنما هي بين الكاف والنون
قال عليه السلام :" إن روح القدس نفث في روعي ، أنه ليس من نفس تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " ، وقال :" أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب " .
ومنها الرضى بقضاء الله ... قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : إن الله تعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الروح والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في السخط والشك .
ورأيت الرضا يخفف أثقا = لي ويلقي على المآسي سدولا
والذي ألهم الرضا لا تراه = أبد الدهر حاسدا أو عذولا
أنا راض بكل ما كتب الله = ومزج إليه حمدا جزيلا
ومنها اطمئنان القلب بذكر الله ، والأنس به :".. ألا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد (28) . يقول سيد قطب : تطمئن بإحساسها بالصلة بالله ، والأنس بجواره ، والأمن في جانبه وفي حماه ، تطمئن من قلق الوحدة وحيرة الطريق ، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضرر ومن كل شر إلا بما يشاء مع الرضا بالابتلاء والصبر على البلاء ، وتكمئن برحمته بالهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة ، ذلك الاطمئنان حقيقة عميقة يعرفها الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم فاتصلت بالله ، ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين ، لأنها لا تنقل بالكلمات إنما تسري في القلب فيستروحها فيهش لها ويندى بها ويستريح إليها ، ويستشعر الطمأنينة والسلام .
قال عليه السلام :" وإذا مررتم برياض الجنة فارتعوا . قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال : مجالس الذكر " . وأفضل الذكر هو القرآن ، ففيه الشفاء والرحمة . يقول سيد قطب : وفي القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة ، والهوى والدنس والطمع ، والحسد ونزغات الشيطان ، وفيه شفاء من الاتجاهات المختلفة في الشعور والتفكير ، ومن العلل الاجتماعية ، وفي القرآن رحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان ، فأشرقت وتفتحت لتلقي ما في القرآن من روح وطمأنينة وأمان .
ومنها ساعة صدق مع الله في جوف ليل قد هجعت فيه العيون ، وغارت فيه النجوم ، ساعة تقبل فيها على الله بكلية قلبك مستغفرا ، متضرعا بين يديه ، متفكرا في دنياك وأخراك ، وفي الموت وما بعده ، وفي ما مضى وما بقي ، ساعة على هذه الشاكلة تقضيها في صلاة خاشعة ، وذكر كثير ، ومناجاة فياضة .. ساعة فحسب ، وقد تحول فيك كل شيء ، وإذا أنت غير الذي كنت قبل قليل .. إحساسات جديدة تشرق في قلبك ، ما كنت تعهدها من نفسك ، ولو قيل لك عبر عنها لعجز لسانك عن ذلك .. لقد انقشعت الغشاوة وارتفع الضباب الذي كان يغلف روحك ، وها أنت اللحظة تطير في عالم سماوي مليء بالنور .. واستيقظ قلبك أخيرا فخرج من غفلته ، وعادت المياه إلى مجاريها يوم كانت الفطرة سليمة لم تلوثها أكدار الحياة .
ولقد ذكرتك والخطوب كوالح = سود ووجه الدهر أغبر وقاتم
فهتفت في الأسحار باسمك صارخا = فإذا محيا كل فجر باسم
ومنها حسن الخلق ، قال عليه السلام :" إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقا .." ، والإحسان إلى الناس ، والعمل الصالح . يقول الأستاذ محمد قطب : هل أحسست مرة وأنت تقدم مساعدة لشخص لا تعرفه فتقيله من عثرة ، أو ترفع له حملا لا يقوى على رفعه ، أو تناوله شيئا لا تناله يده ، أو تدله على حل لأحدى مشكلاته ، أو تقوم له بعمل هو في حاجة إليه .. هل أحسست بالخفة تملأ نفسك ، فتكاد تحمل جسمك حملا في الهواء ؟ هل أحسست روحك ترفرف عالية مستبشرة ، ونشوة خفية تملأ جناحيك ؟ .. إنها الطريق إلى الله .
ومنها أن تنبذ المسلمة التبرج وتقليد الغربيات ، وتلتزم بنعاليم دينها الحنيف ...
في غير ظل الله سوف تزيغ فطرتك الأصيلة = شقيت نساء الغرب فهي تئن يائسة ذليلة
لو ترقبين ضميرها لسمعت في ألم عوله = وعلمت زيف الواقع المحموم والقيم الهزيلة
ومنها الإيثار ، وسلامة الصدر ، دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل ، فسألوه عن سبب تهلل وجهه ، فقال : ما من عمل أوثق عندي من خصلتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، وكان قلبي سليما للمسلمين .
وأخيرا .. القناعة ...
عزيز النفس من لزم القناعة = ولم يكشف لمخلوق قناعه .
منقول للإفادة للدكتورة لبنى شرف / الأردن
(صيد الفوائد)